فصل: الأول: في التعرض للجناب العالي أو لأحد من عباده المصطفين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب اللباب في بيان ما تضمنته أبواب الكتاب من الأركان والشروط والموانع والأسباب



.كتاب الجناية:

وهي عبارة عما يحدثه الإنسان على نفسه أو على غيره مما يضر به حالاً ومآلاً. وهي مأخوذة من اجتناء الثمار باليد.
ومتعلقاتها ست: الأديان والنفوس والأموال والأنساب والأعراض والعقول.
وحفظ هذه الكليات متفق عليها في جميع المال.

.الأديان:

وينحصر الكلام فيها في فصلين:

.الأول: في التعرض للجناب العالي أو لأحد من عباده المصطفين:

ولا خلاف بين الأمة أن التعرض لله تبارك وتعالى بالسب كفر وأن فاعل ذلك حلال الدم، قال ابن القاسم: يقتل ولا يستتاب إلا أن يرتد إلى دين قال ومن سبه من أهل الذمة بغير الوجه الذي كفر به قتل ولم يستتب، وقال جماعة من أصحابنا: يستتاب المسلم والذمي فإن تاب وإلا قتل ومن سب ملكًا من الملائكة قتل قاله سحنون وسعيد بن سليمان قاضي قرطبة، وقال ابن القاسم فيمن قال لرجل غضبان: كأنك وجه ملك إن عرف أنه قصد ذم الملك قتل وكذلك الحكم في ذم الأنبياء عليهم السلام ومن سب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عابه أو ألحق به نقصًا في نفسه أو نسبه أو دينه أو خصلة من خصاله أو دعا عليه أو تمنى مضرته أو عيره بما جرى عليه من البلاء والمحنة فهو كافر حلال الدم يقتل ولا يستتاب فإن أظهر التوبة قتل حدًا لا كفرًا، وروى الوليد بن مسلم عن مالك أن حكمه حكم المرتد، وقاله جماعة من العلماء قالوا: يستتاب فإن تاب نكل وإلا قتل، وإن كان ذميًا فيقتل أيضًا بلا خلاف إذا صرح بسبه أو استخف بقدره أو وصفه بغير الوجه الذي كفر به فإن أسلم ففي سقوط قتله قولان وطريق ثبوت ذلك الإقرار أو الشهادة التامة العادلة وأما شهادة الواحدة واللفيف من الناس فلا يقتل بذلك لكن يجتهد في أدبه بقدر شهرة حاله وقوة الشهادة وضعفها. ومن جحد الكتب المنزلة أو كفر بها أو لعنها أو استخف بها فهو كافر.

.الثاني: في الردة:

وهي الكفر بعد الإيمان نصًا أو ضمنًا كالتردد إلى الكنائس والتزام الزنار في الأعياد، وكادعاء النبوة، وكالسحر، قال مالك: تعلم السحر وتعليمه كفر. واختلف إذا اطلع عليه فقيل: لا تقبل توبته إلا أن يأتي تائبًا قبل أن يطلع عليه وهو اختيار القاضي أبي محمد، وقال ابن عبد الحكم ومحمد وأصبغ: هو كالزنديق إذا ظهر سحره قبلت وإن كان مستترًا قتل ولم يستتب قال ابن عبد الحكم وأصبغ: وماله لورثته المسلمين ولا آمرهم بالصلاة عليه وإن كان مظهرًا لسحره ولم يتب فماله لبيت المال.
وللردة سبعة أحكام:
الأول: قتله إن لم يتب ويستتاب ثلاثة أيام ويحبس فيها وفي ذلك الإمهال روايتان بالوجوب والاستحباب ولا عقوبة عليه إن تاب.
الثاني: أن ولده الصغير لا يلحق به؛ لأن الولد إنما يلحق به في دين يقر عليه فإذا قتل بقي ولده مسلمًا ويجبر عليه إن أظهر خلافه فإن غفل عنه حتى عقل ففي إجباره قولان.
الثالث: إيقاف ماله فإن تاب أخذه وقيل يكون فيئًا. ابن القاسم. وينفق عليه من ماله أيام الاستتابة دون ولده وعياله فإن قتل فهو لبيت المال.
الرابع: انقطاع العصمة.
الخامس: جنايته فإن قتل مسلمًا أو ذميًا فجعله ابن القاسم مرة كالمسلم إن رجع ومرة كالنصراني، وقال أشهب لولاة الدم أخذ الدية من ماله إن عفوا وإن شاءوا صبروا حتى يقتلوه، وقال ابن القاسم أيضًا: إن قتل مسلمًا خطأ فديته في بيت المال، وإن قتل نصرانيًا أو جرحه اقتص منه، وإن قتل مسلمًا عمدًا قتل به، وإن جرحه لم يقتص منه، وقال ابن المواز: الذي آخذ به أنه قتل لم يقتص منه إلا أن يتوب، قال سحنون: ولو قتل المرتد عمدًا فلا شيء على قاتله غير أدب الافتيات، وقال ابن القاسم عليه دية الدين الذي ارتد إليه.
السادس: أعماله وهي باطلة وعليه استئناف العمل إن تاب.
السابع: تصرفاته وهي ماضية إن تاب وفي إمضائها بعد الحجر عليه قولان وفي كونه محجورًا عليه بنفس الردة أو الحكم خلاف.

.النفوس:

ينحصر الكلام فيها في ثلاثة فصول:

.الأول: في قتل العمد:

وينحصر الكلام فيه في الموجِب والموجَب.
فالموجِب هو المقتضى للقتل وهو وجود السبب والشرط وانتفاء المانع.
أما السبب: فهو القتل العمد العدوان المحض فقيد العمد يخرج الخطأ وقيد العدوان يخرج الاستيفاء وقيد المحض يخرج شبه العمد وهو خاص بالآباء والمعروف من قول مالك أن فيه القود إذا صدر من غير الآباء، وقال: إنما هو عمد أو خطأ ثم القتل قد يقع بالمباشرة وقد يقع بالسبب وهو أن يفعل فعلاً ينشأ عنه الموت كمنعه من الطعام والشراب وكإلقاء السم في طعامه ونحو ذلك.
وأما الشروط فأربعة:
الأول: أن يكون القاتل ملتزمًا لأحكامنا فلا قصاص على المحارب الكافر.
الثاني: أن يكون عاقلاً فلا قصاص على مجنون ولا صبي وعمدهما كالخطأ بخلاف السكران.
الثالث: أن لا يكون المقتول أذن للقاتل في قتله عند ابن عبد الحكم، قال: إذا أكره رجل على قتل رجل فأذن المقتول للمكره في ذلك لم يكن عليه قتل، وذكر ابن سحنون في كتابه أنه يقتل واتفقوا على أنه إذا أكره على قطع يد رجل فأذن له المقطوع يده في ذلك أنه لا يقطع ولا دية عليه وهو آثم في إقدامه وليس على الآمر في الموضعين شيء وذكر ابن سحنون في مسألة القتل أنه يؤدب ولو أكره على قتله، ولم يأذن له المقتول قتل الآمر والمأمور معًا وأمر من لا يستطيع المأمور مخالفته إكراه كالسلطان والسيد، وأما الأب والمعلم فإن كان الصبي محتلمًا قتل وحده، وإن كان غير محتلم قتل الآمر وحده وعلى عاقلة الصبي نصف الدية.
الرابع: أن يكون المقتول معصوم الدم فلا قتل على قاتل زان محصن، ولا زنديق. القاتل معصوم الدم إلا من ولي الدم فإن قتله غيره فله قتله.
وأما الموانع فخمسة عشر:
الأول: شرف الدين فلا يقتل مؤمن بكافر قصاصًا ويقتل إن قتله غيلة وعليه ديته في ماله ويقتل الكافر بالمسلم وبالكافر.
الثاني: الأبوة وهي دراية للقتل عند قيام الشبهة على المشهور، وقال أشهب: وإن لم تكن شبهة فإذا حذفه بسيف، وقال: أردت أدبه صدق بخلاف أن يضجعه ويذبحه، والأم في ذلك كالأب ويلحق بهما الأجداد والجدات من قبلهما من يرث منهم، ومن لا يرث وبه قال عبد الملك، واختاره اللخمي؛ لأن لهم حنانًا وشفقة ووقف ابن القاسم في أب الأب وأم الأب وحيث سقط القصاص فتغلظ الدية.
الثالث: شرف الحرية، فلا يقتل حر بعبد، وإن كان بعضه حرًا أو فيه شائبة حرية، ويقتل العبد بالحر وبالعبد ولو صادف القتل تكافؤ الدماء لم يسقط بزوال المانع كالعبد يقتل عبدًا ثم يعتق القاتل، وكالكافر يقتل كافرًا ثم يسلم، ولو رمى العبد عبدًا فعتق بعد الرمي وقبل الإصابة لم يقتل ويبقى النظر في الدية، فابن القاسم اعتبر حال الإصابة لكما لو رمى صيدًا ثم أحرم ثم أصابه السهم فعليه جزاؤه واعتبر أشهب حال الرمي وبه قال سحنون ثم رجع ولا اعتبار بشرف الذكورية ولا بشرف النسب.
الرابع: تعذر إظهار القاتل مثل أن تشهد البينة على رجل بالقتل وأنه دخل في جماعة ولم يعرفوا عينه والحكم أن يحلف كل واحد منهم خمسين يمينًا ويغرمون الدية بغير قسامة ومن نكل منهم كان العقل عليه، وقال سحنون: لا شيء عليهم كحملان الشهادة.
الخامس: دعوى الولي خلاف ما قاله المقتول من عمد أو خطأ، قال أشهب: وذلك يسقط حقهم من الدم والقسامة والدية، وقال ابن القاسم: لهم أن يقسموا على قوله ولم يروه.
السادس: أن يظهر اللوث في أصل القتل دون صفة مثل أن يقول قتلني فلان، ولم يقل عمدًا ولا خطأ ثم يقول بعض الأولياء عمدًا، وقال البعض خطأ وذلك مانع من القتل ثم يحلف القائلون خطأ ويأخذون أنصباءهم من الدية ومن نكل سقط حقهم، ولو قال بعضهم لا علم لنا لم يكن لهم شيء.
السابع: إقامة المدعى عليه البينة أنه كان غائبًا حين القتل.
الثامن: نكول الأولياء عن القسامة.
التاسع: رجوع المدعى عن التدمية.
العاشر: اختيار الأولياء لواحد من الجماعة المدعى عليهم وذلك مسقط للقود عن بقيتهم.
الحادي عشر: عفو المجني عليه وسواء ثبت الجرح ببينة أو بإقرار أو يضرب مائة ويسجن عامًا.
الثاني عشر: صحة المدمى صحة بينة.
الثالث عشر: حلف بعض المستحقين للدم.
الرابع عشر: ميراث القاتل بعض دمه كرجل قتل أباه فاستحق إخوته ديته ثم مات بعضهم.
الخامس عشر: أن يكون الولي ابن القاتل وقد قال مالك يكره أن يحلفه فكيف يقتله.
تنبيه:
قد تكون أشياء من العمد لا قود فيها كالمتصارعين يصرع أحدهما الآخر، أو يتراميا بالشيء أو يأخذ برجله على وجه اللعب فيموت، قال مالك: وفي ذلك الدية مخمسة.

.الفصل الثاني: في قتل الخطأ:

يتعلق النظر فيه أيضًا بالموجِب والموجَب.
فالموجِب: هو القتل، والخطأ هو الفعل غير مقصد إما مباشرة كسقوطه عليه، وكالمرأة تتقلب على ولدها وهي نائمة وشبه ذلك إما تسببًا كإهمال الصئول وإهمال الحائط المائل، قال ابن القاسم في الجمل الصئوم والثور النطاح إذا عرف بالعداء تقدم إلى صاحبه، فإن عقر بعد التقديم ضمن كاتخاذ الكلب العقور بموضع لا يجوز له، قال: ولا يثبت ذلك إلا بعدلين ولا قسامة فيما أصابته العجماء فإن شهد بذلك عدل حلف الولي معه يمينًا واحدًا واستحق ديته فما بلغ الثلث فعلى العاقلة، وفي دونه ففي ماله وأما الحائط المائل المخوف إن أشهد على صاحبه ثم أصاب أحدًا فربه ضامن، وإن لم يشهد عليه لم يضمن. ابن شاس.
قال ابن القاسم: لا ضمان على الطبيب ولا على الحجام والخاتن والبيطار إن مات حيوان مما صنعوا إن لم يخالفوا، قال مالك: ومعلم الكتاب والصنعة إن ضرب صبيًا بما يعلم أنه من الأدب فمات لم يضمن، وإن ضرب لغير الأدب تعديًا أو تجاوزًا في أدبه ضمن، وكذلك الطبيب يعالج إنسانًا فيؤتى عليه فإن لم يكن له علم بذلك وإنما فيه دخل جراءة ومثله لا يعمل ذلك ولا يعرف به قيد منه.
ويثبت العمد والخطأ بالبينة وبالإقرار وبالقسامة مع اللوث:
البينة: إن كانت تامة ثبت بها القصاص في العمد والخطأ وتثبت الدية برجل وامرأتين ولا يثبت القصاص في النفس بخلاف الجراح ويثبت القصاص في الجراح بالشاهد واليمين ويشترط في الشهادة أن لا تتضمن جرًا ولا دفعًا فإن شهد أن هذا جرح مورثه لم تقبل ولو شهد بعض الأولياء بعفو بعضهم سقط القود بإقراره وإن كان غير عدل.
الإقرار: يقبل من الحر ومن العبد فيما فيه القصاص فإذا أقر بالقتل عمدًا وجب القصاص إلا أن يقرا بعد السجن والضرب ولو عشرة أسواط ولا يقبل قول العبد في قتل الخطأ ولا في شيء يوجب غرمًا على سيده إلا أن لا يتهم وقد قال مالك في صبي تعلق بعبد وأصبعه يدمي فقال: هذا وطئ على أصبعي فقطعها وصدقه العبد يقبل إقراره والحر إذا أقر بالقتل خطأ صدق إلا أن يتهم أنه أراد إغناء ورثة المقتول كالأخ والصديق الملاطف فإن كان من الأباعد صدق إن كان ثقة مأمونًا ولم يخف أن يرشا، ثم تكون الدية على عاقلته بقسامة في ثلاث سنين فإن أبوا أن يحلفوا فلا شيء لهم في مال المقر.
القسامة: موجبة مع اللوث وتوجب القتل في العمد والدية في الخطأ ولا قسامة في الجراح والأطراف ولا في العبيد والكفار واللوث ما يغلب على الظن تصديق المدعى كالشهادة التي ليست بتامة وكالتدمية ولا خلاف أن الشاهد العدل لوث على معاينة القتل، وكذلك شهادته على الإقرار بالقتل عمدًا أو خطأ على الأصح وفي شهادة غيره خلاف، قال محمد: وإنما يقسم مع العدل بعد معاينة جسد القتيل فيشهدون على موته ويجهلون قاتله، ولو شهد بذلك شاهد وامرأتان فلا قسامة فيه، ويحبس المشهود عليه حتى يأتي شاهد آخر ويثبت الموت، وقال أصبغ: لا ينبغي للسلطان أن يعجل بالقسامة حتى يكشف فلعل شيئًا أثبت من هذا فإذا بلغ أقصى الاستثناء قضى بالقسامة مع الشاهد الواحد، ومثله قاله ابن القاسم، وأما التدمية فمثل أن يقول المقتول: قتلني فلان عمدًا أو خطأ، وذلك موجب يوجب القسامة وإن كان غير عدل بشرط أن يكون حرًا مسلمًا بالغًا ثم إن كانت به جراح قبل قوله، وإن لم تكن به جراح ولا آثار ضرب ولم يعرف ضره له قبل ذلك فقال ابن القاسم لا يقبل قوله وبه العمل، وقال أصبغ: يقبل قوله ولو رمى رجلاً ثم أبرأه ورمى غيره لم يقبل قوله في الأولى ولا في الآخرة وبه الحكم.
تنبيه:
إذا كان بالمدمى جراح مخوفة سجن المدعى عليه فإن مات أكفل وإن لم تكن به جراح ولا آثار ضرب لم يسجن إلا أن يموت قبل ظهور برئه.
صفة القسامة: أن يحلف الأولياء خمسين يمينًا أن فلان قتل ولينا فلان أو أنه ضربه وقصرت قدماه إن كان قد عاش بعد ذلك ويقتصر على قوله بالله الذي لا إله إلا هو، وقال المغيرة: يزاد الرحمن الرحيم ويحلف في العمد من له القصاص من الرجال المكلفين، ويحلف في الخطأ المكلفون من الورثة رجالاً ونساء على قدر مورثهم ولا قسامة فيمن ليس له وارث ولا قسامة إلا بنسب أو ولاء ولا يقسم من القبيلة إلا من التقى معه في نسب ثابت ولا يقسم المولى الأسفل ولكن ترد الأيمان على المدعى عليه فيحلف خمسين يمينًا فإن نكل سجن أبدًا حتى يحلف أو يموت، وإذا قال ولد الملاعنة دمي عند فلان فإن كانت أمه معتقة أو أبوها أقسم مواليها في العمد، قال أشهب: وعصبتها. وأما الخطأ فيقسم ورثته بقدر مورثهم من رجال أو نساء ويستكمل من حضر منهم خمسين يمينًا، وإن كانت من العرب فلا قسامة فيه قاله محمد؛ لأن العرب خولته ولا ولاية للخولة وكذلك من لا ولاية له لأن ولاءه لبيت المال، ثم إن كان القتل خطأ وكان الوارث واحدًا حلف خمسين يمينًا متوالية، واستحق الدية إن كان ذكرًا أو نصفها إن كانت أنثى، وإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان، وإن ترك أكثر وزعت عليهم فإن ترك ذكرًا وأنثى حلف الذكر ثلثي الخمسين والأنثى ثلثها، وإن ترك ابنة وعصبة حلفت الأنثى نصفها والعصبة نصفها، فإن غاب الولد أو العصبة لم تأخذ الابنة حظها إلا بعد أن تحلف الخمسين، فإذا قدم الغائب حلف ما يخصه أنن لو كان حاضرًا وأخذ منابه وإذا وزعت الأيمان وبقي كسر جبر على أكثرهم حظًا منه، وقيل على أكثرهم حظًا من الأيمان، وإن نكلوا أو نكل بعضهم ردت الأيمان على العاقلة فيحلفون ولو كانوا عشرة آلاف والقاتل رجل منهم، فمن حلف برئ ومن نكل غرم منابه قاله ابن القاسم وهو الصحيح، وقال أيضًا: يحلف منهم خمسون رجلاً يمينًا يمينًا فإن حلفوا أبرئت العاقلة ومن نكل منهم لزم بقية العاقلة الدية كاملة حتى يتموا خمسين يمينًا، وإن كان عمدًا فلا يقسم فيه أقل من رجلين فيحلف كل واحد منهما خمسة وعشرين يمينًا فإن طاع أحدهما بأن يحلف أكثر لم يجز وإن كانوا أزيد من اثنين إلى خمسين وهم في العدد سواء وتشاحوا في حملها قسمت بينهم على عددهم، فإن وقع كسر مثل أن يكونوا عشرين فتبقى عشرة قيل لهم ائتوا بعشرة يحلفونها فإن حلفها منهم عشرة استحقوا الدم وإلا بطل الدم بنكولهم، وإذا نكل بعض الأولياء فإن كان ممن لا عفو له فلا اعتبار بنكوله وإن كان ممن يصح عفوه ففي المذهب خمسة والذي في المدونة أن الدم يبطل، قال ابن القاسم: وليس لمن بقي أن يحلف ويأخذ حظه من الدية، وقال أشهب: يبطل الدم ويحلف من بقي ويأخذ حظه من الدية، وقال ابن نافع: إن كان نكوله على وجه العفو والترك لحقه حلف من بقي ويأخذ حظه من الدية وإن كان على وجه حلف من بقي وقتلوا، وقال محمد: فرق مالك بين أن ينكل بعد أن يحلف جماعة الأولياء أو قبل ذلك فإن نكل بعد يمينهم لم يسقط حقهم من الدية وإلا فلا قسامة لبقيتهم ولا دية ولا دم، ويحلف المدعي عليه خمسين يمينًا إن لم يجد من عصبته من يعينه ويضرب مائة ويسجن عامًا وقاله أصحابه المدنيون والمصريون إلا أشهب.
فإن نكل أحد الأولاد أو أحد الإخوة سقط الدم، وإن كان من العصبة فلمن بقي أن يحلف ويستحق الدم وإن كان الجاني أكثر من واحد وثبت الدم بالشهادة قتلوا كلهم، وإن ثبت بقسامة لم يقتل إلا واحد، قال عبد الملك: لأنه لا يدري أقتله واحد أو الكل، وقال المغيرة: يقتل الجماعة بالواحد، وإذا فرعنا على المشهور فيعينون واحدًا ويقسمون عليه ويقتلونه ويقولون في القسامة لمات من ضربه ولا يقول من ضربهم رواه ابن القاسم، وقال أشهب: لهم أن يقسموا على الجماعة ويختاروا واحدًا للقتل، ثم يضرب كل واحد منهم مائة ويسجن عامًا.
الموجَب: هو في العمد القود إن طلبه الولي وإلا فالضرب والسجن إن عفى. ويتعلق النظر بالمستوفى والمستوفى به ووقت الاستيفاء وأجرة المتولي لذلك.
المستوفى: هو الولي ثم الأولياء إن كانوا رجالاً وهم في العدد سواء فالقيام إلى جميعهم، وإذا عفى أحدهم وهم قرباء كالأبناء وأبناء الأبناء سقط وفي سقوطه بعفو احد الأباعد كالأعمام وبينهم قولان، قال مالك وابن القاسم يسقط، وروى أشهب أنه لا يسقط إلا باجتماعهم على العفو، وإن كان بعض الأولياء أقرب في القيام والعفو إليه والأقرب الابن ثم ابنه ثم الأب. ابن القاسم لا حظ للأب والجد مع الولد المذكور واختلف في الجد مع الإخوة فجعله ابن القاسم كأحدهم في الخطأ والميراث، وقال: يحلف ثلث الأيمان.
تنبيه:
إذا وكل المقتول من يقوم بدمه فأراد العفو وأبى الأولياء فإن استحق الدم بقسامة فالأمر إلى الأولياء وإن استحق بالشهادة فله الأمر إذا جعل ذلك في الوكالة إليه، وإن كانوا نساء فقال مالك: لا مدخل لهم في الدم والمعروف من قولهم إن ذلك يختص بالبنات وبنات الابن وإن سفلن والأخوات دون بنيهن واختلف في الأم، فقال مالك وابن القاسم: لها القيام بالدم، وقال أشهب: لا قيام لها بحال وإن كانوا رجالاً ونساء وهم في العدد سواء فلا حق للنساء في قتل ولا عفو وإن كانت النساء أقرب كالبنات مع الآباء إلا باجتماعهم.
المستوفى به: مثل ما قتل به إلا الخمر واللواط وفي السم والنار قولان، وقال ابن حبيب لا يقتل بالنبل ولا بالحجارة؛ لأنه من التعذيب قال القاضي أبو بكر الصحيح وجوب المماثلة وإن أدخله في ذلك في التعذيب ولو عدل إليه الولي مكن من ذلك؛ لأنه أسهل.
وقت الاستيفاء: غير معين إلا في المرأة الحامل فإنها تؤخر إذا ظهرت مخائل الحمل لا بمجرد قولها، وتحبس فإذا وضعت ووجد من يرضع الولد قتلت وإلا أخرت حتى تجد من يرضعه، والأجرة على المستحق في القتل والجراح والقطع على المشهور.
الموجَب في قتل الخطأ: الكفارة والدية:
الكفارة: واجبة في قتل المسلم المعصوم الدم الحر، وهي عتق رقبة مؤمنة سليمة من العيوب محررة له خالية عن شوائب العتق والعوض كما قدمناه في الظهار فإن لم يجد فصيان شهرين متتابعين، فإن لم يقدر انتظر القدرة وتجب في شبه العمد إن قلنا بإثباته وتستحب في العبد والذمي وقاتل العمد إذا عفي عنه وعلى الشريك في القتل كفارة كاملة وفي استحبابها في الجنين روايتان لابن القاسم وأشهب، قال أشهب: ومن ضرب عبده على الأدب فليعتق رقبة وتجب في مال الصبي والمجنون والدية في النفس كاملة على أهل العمود مائة من الإبل مخمسة عشرون بنات مخاض، وعشرون بنات لبون، وعشرون ابن لبون، وعشرون حقة، وعشرون جذعة، وعلى أهل الذهب كأهل الشام ومصر المغرب ألف دينار، وعلى أهل الورق كالعراق وفارس وخراسان اثنا عشر ألف درهم فضة خالصة، وتغلظ الدية في شبه العمد على رواية العراقيين، وفي مثل الوالد ولده فعلى أهل العمود مثلثة ثلاثين حقة، وثلاثين جذعة، وثلاثين خلفة في بطونها أولادها، وفي التغليظ على غيرهم روايتان وإذا قلنا به ففي صفته ثلاثة، قال ابن القاسم في المدونة: عليه قيمة الإبل المغلظة ما لم تنقص عن دية مثله، وقيل: تقوم الإبل المغلظة والمخمسة وينظر كم بينهما فينسب إلى دية الخطأ، فإن كان الثلث مثلاً زيد على دية مثلها ثلثها، وقيل: يعرف ما بين القيمتين فيزاد على دية مثله.
تنبيه:
تقدم أن العمد فيه القصاص فإن وقع العفو على شيء قل أو كثر جاز فإن وجبت كانت مربعة تسقط ابن اللبون وتجعل خمسًا وعشرين من كل سن وسبب وجوبها العفو على دية مبهمة أو عفو بعض الأولياء على الرواية المشهورة ولا تحمل العاقلة منها شيئًا، ودية المرأة على النصف من دية الرجل، وذلك دية اليهودي والنصراني ودية المجوسي ثمانمائة درهم وعلى أهل الذهب ستة وستون دينارًا وثلثا دينار وعلى أهل الإبل ستة أبعرة وثلثا بعير، والمعاهد كالذمي ودية نساء كل صنف نصف دية رجالهم، قال مالك: ولا دية في المرتد، وقال ابن القاسم وأصبغ: فيه دية مجوسي في العمد والخطأ في نفسه وجراحه رجع أو قتل، وقال أشهب: عليه عقل الدين الذي انتقل إليه، وإذا ضرب رجل بطن امرأة أو صدرها وأخافها فألقت جنينًا، فإن ألقته حيًا وكانت الجناية خطأ وتراخى الموت عن الاستهلاك فيه الدية بقسامة، وإن مات عقيب الاستهلاك فقال أشهب: لا يفتقر في استحقاق الدية إلى الاستهلال، وقال ابن القاسم: لابد من القسامة وإن كانت الجناية عمدًا فلا قود فيه على المشهور وعمده كالخطأ، قال أشهب: لأن موته بضرب غيره وديته في العمد والخطأ على العاقلة، وإن ألقته ميتًا ولو كان علقة ففيه الغرة إن كان حرًا مسلمًا ونصف الغرة إن كان حرًا ذميًا، وفي الجنين عشر قيمة الأم، وقال ابن وهب في جنين الأمة ما نقصها، وإذا انفصل الجنين بعد موت الأم فلا شيء عليه، وقال أشهب: فيه الغرة وتؤخذ الغرة من الحمران، وذلك أحب إلى مالك من السودان فإن قلت الحمران بذلك الموضع أخذت من السودان، وإن غلت الحمران أخذت من أوسط السودان والقيمة في ذلك خمسون دينارًا أو ستمائة درهم فإن بذل الجاني القيمة وجب قبولها ويؤخذ الذهب من أهل الذهب والورق من أهل الورق، واختلف أهل الإبل فقال ابن القاسم: ليس لهم في ذلك مدخل، وقال أشهب: تؤخذ منهم خمس بنات مخاض وابن لبون وبنت لبون وحقة وجذعة، ويرث الغرة ورثته على فرائض الله تعالى، وقال ربيعة: هي للأم وحدها، وإذا ضرب الرجل بطن امرأته فألقت جنينًا ميتًا فلا يرث الأب من ديته شيئًا ولا يحجب ويرثها غيره.
والدية: تجب على العاقلة إذا كانت الجناية خطأ أو في حكمه عن غير اعتراف فلا تحمل عمدًا ولا قيمة عبد ولا صلحًا ولا اعترافًا ولا دية قاتل نفسه والدية المغلظة على الجاني على المشهور والعاقلة هم العصبة ويدخل فيها الأب والابن، وفي دخول الجاني روايتان والديوان يلحق بالقرابة لعلة التناصر فإذا كان في ديوان حملها عنه ديوانه دون قومه فإن اضطروا إلى معاونة قومه أعانوهم، قال أشهب: وإنما لا يحمل عنه أهل ديوانه إذا كان العطاء قائمًا وإلا حمل عنه أهله ويلحق بالعصبة أيضًا الموالي الأعلون وبيت المال فإن لم تكن عصبة فعلى معتق الجاني فإن لم يكن فقيل يحمل المعتق الأسفل، وقيل: لا يحمل شيئًا فإذا لم تكن عصبة ولا موالي فبيت المال إن كان الجاني مسلمًا فإن كان ذميًا فأهل إقليمه من أهل دينه الذين يؤدون معه الجزية فإن لم يستقلوا أضيف إليهم أقرب القرى إليهم من ذكورهم كلها فإن كانوا من أهل الصلح فهي على أهل الصلح ويشترط فيمن تضرب عليه الحرية والتكليف والذكورية وموافقة الدين واليسار وإذا ضربت لم يزل بالعدم وفي الموت قولان، ويبدأ بأقرب العصبات فيضرب على كل واحد بقدر حاله، فإن بقي شيء فالأقرب فالأقرب يبدأ بالفخذ فإن لم يستقل فالبطن، فإن لم يستقلا ضمت إليهما العمارة، فإن لم يستقلوا ضمت إليهم الفضيلة، فإن لم يستقلوا ضمت القبيلة، فإن لم يستقلوا استعانوا بأقرب القبائل إليهم. ابن القاسم. ولا يعقل البدوي مع أهل الحاضرة وإن كانوا قبيلة واحدة إذ لا يكون في دية واحدة عين وإبل ولا حد للمال الذي يستحق مالكه الضرب لأجله، ولا لما يؤخذ من كل واحد وتؤجل الدية على العاقلة في ثلاث سنين ثلثها في آخر كل سنة ومبدأ الحول من يوم الحكم ودية العمد إذا عفي عن القصاص حالة في مال الجاني على المشهور وقيل منجمة كدية الخطأ والدية المغلظة على الجاني معجلة في ملائه وعدمه وإليه رجع ابن القاسم بعد أن قال: هي على العاقلة منجمة.